کد مطلب:239463 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:131

مرکز الأمین هو الأقوی
و بعد كل ما تقدم، فان ما لابد لنا من الاشارة الیه هنا، هو :



[ صفحه 160]



قوة مركز الأمین، بالنسبة الی أخیه المأمون ؛ حیث قد كان للأمین حزب قوی جدا، و أنصار یستطیع أن یعتمد علیهم، یعملون من أجله، و فی سبیل تأمین السلطة له، و هم : أخواله، و الفضل بن یحیی البرمكی، و أكثر البرامكة، ان لم یكن كلهم، و أمه : زبیدة، بل و العرب أیضا، كما سیأتی ..

و اذا ما عرفنا أن هؤلاء هم الذین كانوا یؤثرون علی الرشید كل التأثیر، و كان لهم دور كبیر فی توجیه سیاسة الدولة ... فلسوف نری أنه كان من الطبیعی أن یضعف الرشید أمام هذه القوة، و ینصاع لها، و من ثم .. لتؤثر مساعیها أثرها، و تعطی نتیجتها فی الوقت المناسب ؛ فیجعل ولایة العهد من بعده لولده الأصغر سنا، و هو الأمین، و یترك الأكبر - المأمون - ، لیكون ولی العهد الثانی بعد الأصغر ..

و لعل تعصب بنی هاشم، و جلالة عیسی بن جعفر قد لعبا دورا كبیرا فی فوز الأمین بالمركز الأول فی ولایة عهد أبیه الرشید [1] هذا عدا عن الدور الرئیسی، الذی لعبته « زبیدة » فی تكریس الأمر لصالح ولدها [2] .

فیحدثنا المؤرخون : أن عیسی بن جعفر بن المنصور، خال الأمین جاء الی الفضل بن یحیی، و هو متوجه الی خراسان علی رأس جیش، و قال له : « انشدك الله، لما عملت بالبیعة لابن أختی ؛ فانه ولدك، و خلافته لك، و ان أختی زبیدة تسألك ذلك .. فوعده الفضل أن یفعل، و عندما انتصر علی الخارجین هناك ، بایع هو و من معه من القواد و الجند لمحمد [3] .



[ صفحه 161]



رغم أن المأمون كان أسن من الأمین بستة أشهر، و علی أقل الأقوال بشهر واحد ..

و أصبح الرشید حینئذ أمام الأمر الواقع، حیث ان الذی أقدم علی هذا الأمر، هو ذلك الرجل، الذی لا یمكن رد كلمته، و الذی له من النفوذ و السلطان، و الخدمات الجلی، و الأیادی البیضاء علیه، ما لا یمكن له، و لا لأحد غیره أن یجحده أو أن یتجاهله ..

و یلاحظ هنا : أن عیسی بن جعفر قد ذكر أن أخته زبیدة، تسأله أن یقدم علی هذا الأمر، و زبیدة التی تحظی باحترام كبیر عند العباسیین، و لها نفوذ واسع، و تأثیر كبیر علی الرشید - زبیدة هذه - یهتم البرامكة جدا بأن تكون معهم، و الی جانبهم ؛ و ذلك لیبقی لهم سلطانهم، و یدوم لهم حكمهم، الذی أشار الیه عیسی بقوله : « فانه ولدك، و خلافته لك » فان فی هذا القول دلیلا واضحا للفضل علی سلامة و صحة ما یقدم علیه بالنسبة لمصالحه هو، و مصالح البرامكة بشكل عام، و بالنسبة لدورهم فی مستقبل الخلافة العباسیة ... و هو فی الحقیقة یشتمل علی اغراء و ترغیب واضح بالعمل لهذا الأمر، و فی سبیله ..

كما أن قول عیسی الآنف الذكر یلقی لنا ضوءا علی الدور الذی لعبته زبیدة فی مسألة البیعة لولدها بولایة العهد .. فهو یشیر الی أنها كانت قد استخدمت نفوذها فی اقناع رجال الدولة بتقدیم ولدها .. هذا بالاضافة الی أنها كانت تحرض الرشید علی ذلك باستمرار [4] ، حتی لقد صرح الرشید نفسه بأنه : « لولا أم جعفر و میل بنی هاشم لقدم عبدالله علی محمد، كما أشرنا الیه » ..

قال محمد فرید و جدی مشیرا الی أن الرشید لم یكن یرید جرح عاطفة



[ صفحه 162]



زبیدة : « كانت ولایة الأمین بعهد من أبیه، قدمه علی اخوته لمكان والدته . و كان الأحق بالتقدیم المأمون لعلمه و فضله و سنه .. » [5] .

و بعد .. فاننا لا نستبعد أنها كانت بالاضافة الی ذلك قد استخدمت أموالها، من جل ضمان ولایة العهد لولدها الأمین، و لعل مما یشیر الی ذلك قول الفضل بن سهل للمأمون : « و هو ابن زبیدة، و أخواله بنوهاشم، و زبیدة و أموالها .. » ..

و أخیرا .. فان من المحتمل جدا أن یكون الرشید - بملاحظة الدور الذی كانت تلعبه الأنساب فی التفكیر العربی - قد لاحظ سمو نسب الأمین علی المأمون، و كان لذلك أثر فی تقدیمه له علیه، و قد ألمح بعض المؤرخین الی ذلك فقال : « و فیها ( أی فی سنة 176 ه ) عقد الرشید لابنه المأمون عبدالله العهد بعد أخیه الأمین .. الی أن قال : و كان المأمون أسن من الأمین بشهر واحد، غیر أن الأمین أمه زبیدة بنت جعفر هاشمیة، و المأمون أمه أم ولد اسمها « مراجل » ماتت أیام نفاسها به .. » [6] .


[1] ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون ص 245، و الاتحاف بحب الاشراف ص 96،.

[2] زهر الآداب طبع دار الجيل ج 2 ص 581.

[3] راجع تفصيل ذلك في: الطبري ج 10 ص 611، و النجوم الزاهرة ج 2 ص 76، و الكامل لابن الأثير ج 5 ص 88، و أشار الي ذلك أيضا ابن خلدون في تاريخه ج 3 ص 218.

[4] النجوم الزاهرة ج 2 ص 81، و تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 290.

[5] دائرة المعارف الاسلامية ج 1 ص 606.

[6] النجوم الزاهرة ج 2 ص 84، و قريب منه ما في تاريخ الخلفاء للسيوطي.